الخميس، 4 يوليو 2013

أنتِ على موعد اليوم

قابلته عند بداية الدرج ..اعتادته محنىّ الظهر ،مثلها.. مطرق الرأس ، مثلها.. يصدر أصواتًا كزأزأة كرسى مسوس المفاصل كلما تحرك ،مثلها .. بالكاد يتحرك إلى الأمام خطوة ، مثلها ..
ولكنه اليوم -وهذا هو الغريب- كان يبدو مختلفًا .. حالته جيدة وكأن الزمن قد عاد به عدة أعوام إلى الوراء .. مشرق المحيا على غير العادة .. ابتسم لها وكأنه يقابلها عند منبع الحياة لا بداية الدرج .. 
ردت الإبتسامة بمثلها .. كانت واثقة أن فمها قد تجعد تمامًا وهى تبتسم ..حتى الإبتسامة سُلِبَت من قِبَل الشيخوخة .. 
"المصير يقول أنك لاحقة بى !!"
فوجئت بهذا السيد الوقور .جارها على مدى أربعين عامًا ..يقول كلامًا غير مترابط ..تراه أصيب بخرف الشيخوخة ؟؟!
"أفندم ؟؟!"
"لا تتأخرى .. أنتِ لاحقة بى !!"
دار بؤبؤا عينيها فى حيرة .. هزت رأسها هزة هى خليط من رثاء واستخفاف .. ابتسمت له وأومأت برأسها .. ومضت ..
"أنتِ لاحقة بى .. أنت لاحقة بى ..لا تتأخرى !! "
كررها على مسامعها من جديد .. بينما أولته ظهرها ومضت صاعدة إلى شقتها .. لم تحاول أن تسائله عن معنى ذاك الذى قاله عن اللحاق به .. فهو ليس على ما يرام فى الأيام الماضية -على حد قول ابنه أشرف- ..
"صدقت يا أشرف !!"
رددتها وهى تجر قدميها على الدرج صاعدة .. ثم ها هى شقتها .. بينما كانت تولج المفتاح فى ثقبه ..سمعت ذلك العويل .. 
صوت كأنين أو عويل يأتى من الدور العلوى .. لعلها قطة جريحة أو شىء من هذا القبيل .. لها حديث مع (سيد) البواب فى هذا الشأن .. عليه أن يتعلم إغلاق باب العمارة بإحكام ..
"لا عجب لو عثرت على فيل مختبئ فى خزانة ثيابى .. وهذا (الشحط) لن يدرى حتى أن فيلًا قد مر من باب العمارة !!"
رددتها وهى تخطو إلى ظلام شقتها .. 
يا للجفنين الثقيلين .. شعور مفاجئ برغبة فى النوم .. تنميل ..تنميل ..
"أود أن أشرب قهوة ..أود ان أفعل هذا "
ثم تذكرت ..نفد البُن .. عليها أن تخبر سلمى بهذا الأمر الجلل .. ستحدثها فى الهاتف وستخبرها أن تبتاع بعض البن ..ولكن ليس الآن ..عليها أن تنام ..عليها أن ..
"اللعنة !!"
فكرت بينما تغالب جفنيها المُصرّين ..جرت قدميها إلى الأريكة ..وارتمت ..
"لا نفع..لا فائدة ..!!"
..
حين فتحت عينيها كانت فى مكان آخر .. على بداية السلم ..حيث قابلته .. كان واقفًا هناك عند نهاية السلم .. 
ولكن ..لحظة ..ما الذى جاء بها هنا ؟؟!
"بحق الـ .... "
كان واقفًا هناك ..يبتسم ..
صمت ..
ثم صمت مشقوق إثر صرخة بائسة .. 
"مامااا.. ردى عليا ..ردى عليا يا ماما .. ماماااا .. "
ثم يخفت العويل وكأنه يبتعد شيئًا فشيئًا ....
ماذا يحدث ؟؟!
لو أن شيئًا من العقل قد تبقى عند جارها الوقور هذا .. فعليها أن تفهم منه شيئًا مما يحدث على الأقل .. إنه مريب اليوم .. لو كانت هذه قصة لراهنت بكل ذهبها أن له يد فى شىء ما ..تلك الإبتسامة ..والقامة المرفوعة كأن الشيخوخة قد صعدت إلى السماء دون صاحبها ..
شرعت فى نزول الدرج .. 
هنا تناهى إلى سمعها صرير باب العمارة يُفتح ..إذن فقد تذكر غلق الباب ..بداية جيدة .
رأته حينها ..(سيد) البواب .. من ذلك الذى يصحبه ..رجل يتشح بالبياض .. من ذا يكون ؟؟
"بس يا سيدى ..سبحان الله .. الاتنين فى يوم واحد .. المكتوب مكتوب ..هدّينا ابنه بالعافية تطلعلنا بنتها .. لا حول ولا قوة إلا بالله !!"
همّت بقول شيئًا ما .. إلا أنهما تجاهلاها تمامًا وصعدا الدرج ..
نظرت إليه هو الذى يقف هناك فى الركن .. استكملت نزول الدرج دون النظر إلى أعلى ..وقد بدأت تفهم ..
"ها أنتِ .. فى موعدك ."
"........."
"ألم أقل لك أنكِ ستلحقين بى ؟؟"


هناك 4 تعليقات: