كانت تسرع الخطى .. تسرع الخطى على جانب الشارع قرب الرصيف .. الشمس تخوض مراحلها الأخيرة قبل الغروب .. كانت تحب أشعتها فى ذلك الوقت .. هى ليست حارقة أو محرقة .إنما يمكن النظر إليها .. أشعة لا تغالى فى الشدة بحيث تسمح لنا -نحن الكائنات- بالتطلع إلى السماء وتأملها .. كانت تعرف أنها تبدو فاتنة فى تلك الأشعة .. أشعة شمس الغروب .. حين تتسلط على وجهها فتبرز خمريته ..حين تتسلط على حدقتيها فتبرز لونهما العسلىّ .. وحين تتسلط على خصلات شعرها فيظهر بنيًا لامعًا يتباين فى درجات البنى .كما قطرات المطر حين تتسلط عليها أشعة الشمس .. فتُخرِج إلى الوجود ألوان قوس قزح ولا تكتفى بإخراج لون واحد ..
لا زالت تُسرع الخطى .. لديها شعور نفسى ما بأن هناك من ينظر إليها من الخلف .. أومن يتأمل مشيتها .. هنالك من يخطط لإلقاء كلمة غزل فور مرورها من أمامه .أو هنالك من سيتعمد الإقتراب منها بشدة ليلامسها .. الكل أوغاد .. الجميع يتحينون الفرص .. تلتفت وترمق ما وراءها فى قلق ..ثم ترسل طرفها إلى الأفق ..أفق مسربل بأرجوانى وبرتقالى .. وأشعة ذهبية لطيفة .. تبًا ،لِم كان عليها إرتداء ذلك الجينز؟ .. فلتهدأى فإنه ليس بالضيق ..وكُفى عن الإستماع لأحاديث أمك المُغالى فيها ..
إن البارانويا هى لعنة الأمهات .. أعنى أن كل أم تمتلك قدرًا منها بدرجات متفاوتة .. وعلى مقياس واحد من عشرة فإن أمها تحصل على تسعة ونصف فى إصابتها بالبارانويا !!
ولا أعنى بذلك أنها تهيم على وجهها فى الشوارع صارخة بأن سائق التاكسى حاول اغتيالها بأن وضع يده فى جيب صديريته الداخلى -ليُخرج باقى النقود- فظنته مخرجًا مسدسًا بكاتم صوت ليقتلها بلا ضوضاء ..
لا لا ..لست أعنى ذلك النمط من البارنويا ..أعنى تلك البارانويا التى نسى فرويد أن يضعها فى قائمة الأمراض التى تستدعى علاجًا فوريًا ..بارانويا لا يلحظها المجتمع وإن لاحظها لما صُنفت كبارانويا إنما هى :(قلب الأم) ..
"ماتنزليش القُصة وماتسيبيش شعرك ..انتى نازلة لوحدك وماشية فى حتة مليانة رجالة وعمال .. والمدينة السكنية الجديدة لامة زبالة المجتمع .. وانا عارفاكى وعارفة إنك مش بتمشى تتمخطرى ولا بتطوحى شعرك يمين وشمال ..بس العيب مش فيكى ..العيب فيهم هم ..فهمتى ؟؟"
لعل البارانويا مُعدية .. لعل الإصابة بها مردها إلى نوع من الجراثيم أو البيكتيريا .. وإن كان الأمر كذلك فلِم لم يخترعوا لها ترياقًا ؟؟ .. ولّا فالحين بس يخترعوا ترياق للإيدز .. ويتركون كارثة كهذه تحل بكل بيت ..فتحيل النخيل هشيمًا والخضرة تربة صفراء ..
كلما سارت وحيدة فى الشارع .. تذكرت تلك القصة التى عرفتها من والدها ..
كان وقت الظهيرة .. وكانت تسير الهوينى مع صديقة لها ..متجهتان إلى منزل صديقة ثالثة لتأخذا هناك درس الرياضيات .. كان هذا حين سمعت رنين هاتفها .. وظهرت على الشاشة المضيئة كلمة واحدة : mama
وحين ردّت ..استمعت فى قلق إلى حديث أمها ..الذى فهمت منه أنها -أمها- تقف على أول الشارع .. وأنهما -هى وصديقتها- من المفترض أن تمرا من (أول الشارع) هذا فى طريقهما إلى الدرس ..
"بس أنا مش شايفاكم .. أنا وباباكى فى العربية على أول الشارع ..انتوا فين ..أنا مش شايفاكم .. "
أخذت تتلفت حولها بحثًا عن سيارة أبيها السوداء .. وحين لاحت لها من بعيد أخيرًا ..توجهت هناك ..
كان أبيها هناك خلف المقود ..وقد أخبرها أن أمها قد ترجلت من السيارة بغية شراء بعض الحاجيات .. هنا بدأ أبوها فى سرد قصة طريفة جدًا :
"وأنا ومامتك جايين .. شفنا بنت ماشية فى الشارع .. ومرة واحدة شوية شباب مشيوا جنبها وضربوها على وشها .!!"
"نعم ؟؟"
"باقوللك بنت كانت ماشـ....."
"أيوة أيوة ..بس يعنى ايه ضربوها على وشها يعنى ؟؟"
"أهو زى ما باقوللك .. عشان كده قلقنا ..وقلنا نطمن عليكى واحنا معديين من هنا .."
لم تعط كلام أبيها أى قسط من المنطق فى عقلها .. بل استكملت السير مع صديقتها ..وفى الطريق قابلتا الأم .. ثم سألتها فى فضول عن حديث أبيها غير المترابط :
"بابا حكالى إن كان فيه بنت كذا وكذا وكيت وكيت .. وضربوها على وشها .. ايه الهبل ده ..ليه ضربوها على وشها ؟"
قهقهت الأم قهقهة قصيرة أتبعتها بهزة رأس :
"انتى عارفة باباكى وعارفة إنه لسة شايفك بنته الصغننة .. البنت اللى شفناها دى كانت لابسة ضيق ..والشباب دول ضربوها على ...."
ثم همست فى أذنها بكلمة .. توردت وجنتاها بعد تلك الهمسة توردًا خفيفًا ..ٍساهم فى عدم ظهوره للعيان خمرية بشرتها ..لكنها شعرت رغم ذلك بالسخونة فى الوجنتين وبالدم يرتفع إليهما ..
لذا .فى وسعنا أن نقول أن فتاتنا مصابة بنوع من العُقَد النفسية ..نعم ، هو كذلك .!!
المهم ..
تركناها تمشى متوترة .. عهدناها تمشى متوترة .. وكما تركناها .نعود لنجدها كما هى .. تجد فى السير فى توتر ..
لماذا ينظر ذاك الرجل فى ذلك الإتجاه ؟؟..ألأنها تسير فيه ؟؟ ..
وهذا الشاب .. لماذا ينعطف نحو اليمين ؟؟ ..ألأنها منعطفة نحو اليمين ..
وسائق التكتك هذا .. إنه لم يتعد الحادية عشر من عمره ..لكنه يقلقها ولا تدرى لذلك سببًا ..
سحقًا ، أثمة من يرمقها من الخلف .. ربما هو البنطال ..أهو ضيق ؟؟ .. أملتصق هو بجسدها إلى الحد الذى لم تستطع معه تلك الذئاب كبح جماح نظراتها ؟؟ ..
ذلك الموتوسيكل .. لماذا يسير حذائها ؟؟ ..ألأن الحافلة احتلت الطريق ولم تترك له متسعًا للمرور .أم أنه يبغى المرور حذائها والإقتراب منها ؟؟ ..
ذلك العجوز .. يبدو مريبًا .. وذلك الكهل ..أتراه ينظر إليها ؟؟ ..
سيارة النقل هذه .. تلوح فى الأفق .. وهى تسير ..تسير .. سيارة النقل هذه ..لماذا يطلق السائق تلك الكالاكسات ؟ .. أهو نوع من المعاكسة يا ترى ؟؟ .. إنها تتقدم ..والسيارة تقترب .. إنها قلقة .. الكالاكسات الكالاكسات .. كفٌ تخرج من نافذة السائق ..
تبًا ، لماذا -بحق السماء- يلوح لها ؟؟ ..أيدعوها للركوب معه مثلًا ؟؟ ..
فجاة تغير كل شىء ..وأحست حركة غير طبيعية حولها .. ماذا يريدون منها ؟؟ .. إنها قلقة ..قلقة ...
صوت الفرامل ..صوت الفرامل .. ثم تتركز الكشافات فى عينيها ..
و ......
"لا حول ولا قوة إلا بالله "
"هو ايه اللمة دى يا حاج خيرى"
"بت يا سيدى .. بت دهستها عربية نقل .. البت شكلها كانت شاربة حاجة .. ومش مركزة فى الطريق .. السواق زمر لحد ما صوت العربية بَح .. لا حول ولا قوة إلا بالله "
يهزان رأسيهما .. ويرسلان الطرف إلى ذلك المشهد ..
آخر شىء فكرت فيه هو : كيف يخطط ذلك السائق لمعاكستها بتسليط الكشافات الأمامية فى وجهها ؟؟ طريقة غريبة حقًا فى المعاكسة !!
لا زالت تُسرع الخطى .. لديها شعور نفسى ما بأن هناك من ينظر إليها من الخلف .. أومن يتأمل مشيتها .. هنالك من يخطط لإلقاء كلمة غزل فور مرورها من أمامه .أو هنالك من سيتعمد الإقتراب منها بشدة ليلامسها .. الكل أوغاد .. الجميع يتحينون الفرص .. تلتفت وترمق ما وراءها فى قلق ..ثم ترسل طرفها إلى الأفق ..أفق مسربل بأرجوانى وبرتقالى .. وأشعة ذهبية لطيفة .. تبًا ،لِم كان عليها إرتداء ذلك الجينز؟ .. فلتهدأى فإنه ليس بالضيق ..وكُفى عن الإستماع لأحاديث أمك المُغالى فيها ..
إن البارانويا هى لعنة الأمهات .. أعنى أن كل أم تمتلك قدرًا منها بدرجات متفاوتة .. وعلى مقياس واحد من عشرة فإن أمها تحصل على تسعة ونصف فى إصابتها بالبارانويا !!
ولا أعنى بذلك أنها تهيم على وجهها فى الشوارع صارخة بأن سائق التاكسى حاول اغتيالها بأن وضع يده فى جيب صديريته الداخلى -ليُخرج باقى النقود- فظنته مخرجًا مسدسًا بكاتم صوت ليقتلها بلا ضوضاء ..
لا لا ..لست أعنى ذلك النمط من البارنويا ..أعنى تلك البارانويا التى نسى فرويد أن يضعها فى قائمة الأمراض التى تستدعى علاجًا فوريًا ..بارانويا لا يلحظها المجتمع وإن لاحظها لما صُنفت كبارانويا إنما هى :(قلب الأم) ..
"ماتنزليش القُصة وماتسيبيش شعرك ..انتى نازلة لوحدك وماشية فى حتة مليانة رجالة وعمال .. والمدينة السكنية الجديدة لامة زبالة المجتمع .. وانا عارفاكى وعارفة إنك مش بتمشى تتمخطرى ولا بتطوحى شعرك يمين وشمال ..بس العيب مش فيكى ..العيب فيهم هم ..فهمتى ؟؟"
لعل البارانويا مُعدية .. لعل الإصابة بها مردها إلى نوع من الجراثيم أو البيكتيريا .. وإن كان الأمر كذلك فلِم لم يخترعوا لها ترياقًا ؟؟ .. ولّا فالحين بس يخترعوا ترياق للإيدز .. ويتركون كارثة كهذه تحل بكل بيت ..فتحيل النخيل هشيمًا والخضرة تربة صفراء ..
كلما سارت وحيدة فى الشارع .. تذكرت تلك القصة التى عرفتها من والدها ..
كان وقت الظهيرة .. وكانت تسير الهوينى مع صديقة لها ..متجهتان إلى منزل صديقة ثالثة لتأخذا هناك درس الرياضيات .. كان هذا حين سمعت رنين هاتفها .. وظهرت على الشاشة المضيئة كلمة واحدة : mama
وحين ردّت ..استمعت فى قلق إلى حديث أمها ..الذى فهمت منه أنها -أمها- تقف على أول الشارع .. وأنهما -هى وصديقتها- من المفترض أن تمرا من (أول الشارع) هذا فى طريقهما إلى الدرس ..
"بس أنا مش شايفاكم .. أنا وباباكى فى العربية على أول الشارع ..انتوا فين ..أنا مش شايفاكم .. "
أخذت تتلفت حولها بحثًا عن سيارة أبيها السوداء .. وحين لاحت لها من بعيد أخيرًا ..توجهت هناك ..
كان أبيها هناك خلف المقود ..وقد أخبرها أن أمها قد ترجلت من السيارة بغية شراء بعض الحاجيات .. هنا بدأ أبوها فى سرد قصة طريفة جدًا :
"وأنا ومامتك جايين .. شفنا بنت ماشية فى الشارع .. ومرة واحدة شوية شباب مشيوا جنبها وضربوها على وشها .!!"
"نعم ؟؟"
"باقوللك بنت كانت ماشـ....."
"أيوة أيوة ..بس يعنى ايه ضربوها على وشها يعنى ؟؟"
"أهو زى ما باقوللك .. عشان كده قلقنا ..وقلنا نطمن عليكى واحنا معديين من هنا .."
لم تعط كلام أبيها أى قسط من المنطق فى عقلها .. بل استكملت السير مع صديقتها ..وفى الطريق قابلتا الأم .. ثم سألتها فى فضول عن حديث أبيها غير المترابط :
"بابا حكالى إن كان فيه بنت كذا وكذا وكيت وكيت .. وضربوها على وشها .. ايه الهبل ده ..ليه ضربوها على وشها ؟"
قهقهت الأم قهقهة قصيرة أتبعتها بهزة رأس :
"انتى عارفة باباكى وعارفة إنه لسة شايفك بنته الصغننة .. البنت اللى شفناها دى كانت لابسة ضيق ..والشباب دول ضربوها على ...."
ثم همست فى أذنها بكلمة .. توردت وجنتاها بعد تلك الهمسة توردًا خفيفًا ..ٍساهم فى عدم ظهوره للعيان خمرية بشرتها ..لكنها شعرت رغم ذلك بالسخونة فى الوجنتين وبالدم يرتفع إليهما ..
لذا .فى وسعنا أن نقول أن فتاتنا مصابة بنوع من العُقَد النفسية ..نعم ، هو كذلك .!!
المهم ..
تركناها تمشى متوترة .. عهدناها تمشى متوترة .. وكما تركناها .نعود لنجدها كما هى .. تجد فى السير فى توتر ..
لماذا ينظر ذاك الرجل فى ذلك الإتجاه ؟؟..ألأنها تسير فيه ؟؟ ..
وهذا الشاب .. لماذا ينعطف نحو اليمين ؟؟ ..ألأنها منعطفة نحو اليمين ..
وسائق التكتك هذا .. إنه لم يتعد الحادية عشر من عمره ..لكنه يقلقها ولا تدرى لذلك سببًا ..
سحقًا ، أثمة من يرمقها من الخلف .. ربما هو البنطال ..أهو ضيق ؟؟ .. أملتصق هو بجسدها إلى الحد الذى لم تستطع معه تلك الذئاب كبح جماح نظراتها ؟؟ ..
ذلك الموتوسيكل .. لماذا يسير حذائها ؟؟ ..ألأن الحافلة احتلت الطريق ولم تترك له متسعًا للمرور .أم أنه يبغى المرور حذائها والإقتراب منها ؟؟ ..
ذلك العجوز .. يبدو مريبًا .. وذلك الكهل ..أتراه ينظر إليها ؟؟ ..
سيارة النقل هذه .. تلوح فى الأفق .. وهى تسير ..تسير .. سيارة النقل هذه ..لماذا يطلق السائق تلك الكالاكسات ؟ .. أهو نوع من المعاكسة يا ترى ؟؟ .. إنها تتقدم ..والسيارة تقترب .. إنها قلقة .. الكالاكسات الكالاكسات .. كفٌ تخرج من نافذة السائق ..
تبًا ، لماذا -بحق السماء- يلوح لها ؟؟ ..أيدعوها للركوب معه مثلًا ؟؟ ..
فجاة تغير كل شىء ..وأحست حركة غير طبيعية حولها .. ماذا يريدون منها ؟؟ .. إنها قلقة ..قلقة ...
صوت الفرامل ..صوت الفرامل .. ثم تتركز الكشافات فى عينيها ..
و ......
"لا حول ولا قوة إلا بالله "
"هو ايه اللمة دى يا حاج خيرى"
"بت يا سيدى .. بت دهستها عربية نقل .. البت شكلها كانت شاربة حاجة .. ومش مركزة فى الطريق .. السواق زمر لحد ما صوت العربية بَح .. لا حول ولا قوة إلا بالله "
يهزان رأسيهما .. ويرسلان الطرف إلى ذلك المشهد ..
آخر شىء فكرت فيه هو : كيف يخطط ذلك السائق لمعاكستها بتسليط الكشافات الأمامية فى وجهها ؟؟ طريقة غريبة حقًا فى المعاكسة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق