الجمعة، 13 سبتمبر 2013

الصوت يعرف أفضل ..(2/10) "قصة قصيرة"

أتعلم ماذا ؟؟ .. كلٌ لديه (صوته) الخاص .. لا أعنى ذاك الذى تُحدثه الأحبال الصوتية وتلتقفه آذان الآخرين وتترجمه إلى أفعال وأسماء وإشارات .. بل أعنى (صوت) آخر .. 
(الصوت) يلازمنى منذ ستة أعوام .. سمعته لأول مرة حين كنت فى التاسعة .. كنت أشاهد التلفاز ..صوت (مستر بليك) يملأ الجو إذ يوبّخ (وافل) على رعونته ونزقه ..ويقرّع (جوردون) على حماقته واهتمامه الزائد بـ(الفتاة كيمبرلى) .. 
كنت منهمكة فى الدراما الكارتونية تمامًا .. حين شعرت بذلك الغثيان .. ورأيت تلك اللطخة السوداء التى تلطخ بها مجال إبصارى .. وكأن أحدهم يضع غمامة سوداء على عدسات عينىّ .. كنت أدرك أنها واحدة من إغماءات الأنيميا .. كل أولئك الأطباء ذوى الشوارب والسوالف واللكنات الغريبة لم يفلحوا فى وضع حد لتلك الإغماءات المفاجئة .. جاهدت لكى أتماسك .. إنهم بالخارج جميعًا .. تركونى وشقيقى النائم حتى الآن بالداخل لا يدرى بأى مما يحدث الآن ..
هل أقف على قدمىّ ..أم ألازم مكانى وألتزم بجلستى على الأرض .. أم أستلقى .. أم أتربّع .. أم ماذا بالضبط ؟؟ هه؟؟
سمعت حينها الصوت لأول مرة .. آت من لا مكان .وكل مكان .. جالبًا معه سلسلة من التساؤلات وعلامات التعجب .. 
"هشششش .. بطّلى تفكير !! "
أمهتم أنت حقًا بمعرفة طبيعة ذلك الصوت ؟؟ ..رخيم هو أم ضعيف ؟؟ .عالٍ أم خفيض ؟؟ .. ذو نبرة رفيعة مفعمة بالصبا أم عجوز متراخٍ متحشرج مشروخ ؟؟.
أتدرى ماذا ؟؟ . إنه كل شىء .. إنه رخيم وضعيف وعالٍ وخفيض ورفيع وصبى وعجوز ومتراخٍ ومتحشرج ومشروخ .. إنه النقطة التى تلتقى عندها كل الأضداد لتصنع مزيجًا متجانسًا خالٍ من الشوائب أو العوالق التى تشوب أى مزيج عادى ..
يمكنك تخيل مليون سيناريو لردّ فعلى حينها .. لو أن فتاة نحيلة مصابة بالأنيميا وعلى شفا إغماءة من إغماءاتها .تركها والديها وحدها مع شقيق لم يتعد الخمسة أعوام وهى ولم تتعد التاسعة .فوجأت بصوت آتٍ من لا مكان يخبرها بأن تتوقف على التفكير ..فلا تتوقع منها أن ترقص طربًا أو تضحك وتُحضر (إسكيتش) رسم ،وترسم بيتًا بمدخنة وأمامه فتاة صغيرة تشبك يديها بيدىّ كائن غريب  بجانبه سهم يشير إليه ..وتكتب أمام السهم : "الصوت" .. 
حتى بعد أن تعودت الأمر وصرت أتعامل مع الصوت كحقيقة مجردة ..لم يحدث أن شعرت بألفة أو أى نوع من الحميمة تجاهه .. على الأقل ليست الحميمية التى تدفعنى إلى رسم نفسى ممسكة بيد شكل تخيلى للكائن صاحب الصوت أمام بيت ذى مدخنة .هذا مبالغ فيه على ما أظن ..!!
كفانا إستطرادًا الآن .. الصوت يعرف فيم أفكر .. أسمعه يطقطق بلسانه -إن كان يملك واحدًا- ويقول : 
"اللى فات مات يا روحى !! "
"يا مصبر الوحش ....."
أزلت اللحاف تمامًا عن جسدى .. ووقفت على قدمىّ أخيرًا .. منحنية الظهر قليلًا .لكن بخير .. 
أخذت خطوتين لأقف أمام المرآة ..وتأملت الكارثة الكونية التى شرعت تتأملنى هى الأخرى .. رُباه .. هل اشتركت فى جيوش هانيبال ليتشعث شعرى بهذا الشكل ؟؟ ..وما بال عيناىّ .؟.. 
لئن لم تحدث معجزة الآن بصدد شكلى الخارجى ..لصرت فى مأزق حقيقى .. ألقيت نظرة على شقيقى الذى كان لا يزال منكبًا على الـ(شىء ما) ذاك الذى يثير اهتمامه بهذا الشكل ..
سحبت الباب من الأكرة النحاسية الباردة . خطوت إلى الخارج .. لشدّ ما تختلف درجة الحرارة هناك -فى الغرفة- وهنا خارجها .. فى بيتنا هناك دومًا تلك الـ(يوتوبيا) المتمثلة فى غرفتنا الباردة دومًا فى الصيف .الدافئة فى الشتاء ..و (خارج غرفتنا) الحار كالجحيم دومًا فى الصيف..والبارد كثلاجة لحوم دومًا فى الشتاء .. التكييف له كل الأثر بالتأكيد ..
أكان يجب أن تكون حفلة التكريم السخيفة تلك فى العاشرة صباحًا ؟؟ ..من ساعات اليوم الأربع وعشرين يختارون العاشرة ؟؟ .. سُحقًا .!!
"عشان تتعلمى تبقى من الطيور المبكرة !! "
"اخرس!!"
أُنهى طقوس الإستيقاظ .. لابد أن أمى قد استيقظت بالفعل .. إن لم تكن مستيقظة ..فقد استيقظت بالتأكيد من صوت انغلاق باب الحمام .. يقولون أن (نومها خفيف) .. أما أنا فأظنها تناك بعين مفتوحة وأخرى مغلقة ..

آه .. نسيت إخبارك .. 
اليوم يقام حفل تكريم سخيف فى إحدى دور القوات المسلحة .تعلم تلك الدارات التى لا تنتهى والتى تحمل أسماءً على غرار : "دار الدفاع " ،"دار المشاة" .."دار الحُفاة " .."الدار دارك" ..المهم أنها دومًا دار الـ(شىء ما).. سيحظى شقيقى بمصافحة لواء ما .. وبشهادة تقدير مؤطرة بشرائط حمراء .. بـ300 جنيه هى السبب الوحيد الذى دفعه للموافقة على الأمر برمته .. 
"حتى المفعوص ده عنده جشع !! "
"أبوس ايدك اقفل بُقك دقيقتين "
"أنا .. ماعنديش ..بُق !! "
"ما هو لو كان عندك كان زمانى كممته من زمان !! "

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق