الاثنين، 16 سبتمبر 2013

الصوت يعرف أفضل (5/10).. "قصة قصيرة"


الدار تقبع فى مكان ما من مصر القديمة .. قريبة من مطار القاهرة قربًا معتدلًا .. أخرجت بعض المقرمشات من حقيبة أمى الخضراء العملاقة التى كانت تضع لى فيها حاجياتى وملابسى منذ سنوات حين كنت أتمرن على السباحة .. هى حقيبة مناسبة لأشياء مماثلة بالفعل .. كما أنها بمثابة خزانة متنقلة .عملاقة ،واسعة، وسحيقة !!

الرقائق المقرمشة تنسحق فى فمى وتتحول إلى مزيج سميك القوام .. أجد صعوبة فى ابتلاع الطعام دون فترة مضغ كافية ..
ولك أن تصدق أن الزبادى لا يشق طريقه إلى معدتى -أو حتى حَلقى- دون ثوانٍ من المضغ على الأقل .. وسواس قهرى، لك أن تقول هذا ولن أنبس ببنت شفة اعتراضًا .. لكن لا تلق بكل الذنب على عاتقى ..إنها آثار الصوت كما تعلم..
"عندِك أى اعتراض؟"
"وأنا هاعترض على ايه ؟ ..انت حقيقة مجردة لازم أعترف بيها"
"آه ،باحسب !!"
هكذا مرت ساعتين على هذا الحال .. الطرق تتغير من حين لآخر ..تتراوح ما بين ازدحام وشوارع خالية كالطريق الصحراوى ..
لا زالت الرقائق تنسحق فى فمى .. ولم أزل أتساءل هل يسمع الآخرون الصوت العصبى لتلك القرمشة كما أسمعه أنا فى أذنىّ ..حتى رأيت الدار على مرمى البصر .. لا داعى لوصفها على ما أظن ..هى خليط من نادٍ وفندق وقاعة حفلات .. تبحث أمى عن مكان مناسب للسيارة .. ولم تكد تفعل حتى وجدنا ذلك الرجل ذى الجلباب المهلهل واللحية النصف نامية نحونا .. تردد شفتاه بضعة كلمات ,,ويشيح بيديه فى اتجاهات شتّى ..
لا أدرى أى هراء يخرج من ذلك الفَم .. لكنى أراهن أنه يقول الكثير من :
"يمين ..لأ لِفّى العجلة كمان شوية .. شمال شوية حبتين ..بس ..باااااس ..خشى خشى .أيوة العجلة شمال شوية ..أيوااا الله ينور !!"
أحدنا لا يدرى شيئًا مما يقول ،فالنوافذ مغلقة دون الأصوات بالخارج.. لكن أمى تقبض على بضعة جنيهات على أى حال .. تهيأةً لتسليمهم إياها .. مجرد تحصيل حاصل ..تقديرًا لجاعورته التى استُنزِفَت !!
 نترجل .. ثم  here come رجال الأمن ..لا يُعلقون أهميةً كبيرة على دخول أحدهم أو خروجه .. فقط لَوّح لهم من بعيد بالكارنيه خاصتك ..كأنك عميل (FBI) يُظهر شارته فى فيلم أمريكى ردىء .. وستكون بخير !!
حفل التكريم فى قاعة ببناية شاهقة .. أستطيع أن أرى كمية لا يستهان بها من الرافعات .. ثمة بلدوزر هنا وهناك .. بناية جديدة يتم تشييدها ..محاطة بالصقالات والدعامات الخشبية والعُمّال ..
الآباء يقبضون على أيدى أبنائهم تقريبًا عند المرور بجانب موقع البناء ..المنظر مرعب بالفعل ..الوحوش الحديدية الضخمة تسيطر على المكان وتدب الرعب فى قلوب الآباء !!
أبى يتقدمنا .. وأمى فى ذيولنا ..تسرع الخطى لتلحق بى ..وتهمس :
"ادخلوا انتوا ..أنا هاقعد هنا أشرب قهوة ..وبعدين مش قالوا ما ينفعش يدخل مع الطالب أكتر من شخصين .. خلاص ادخلى انتى وباباكى ..!!"
ألقيت نظرة خاطفة على القاعة .. ونظرية (ماينفعش يدخل مع الطالب أكتر من شخصين) هذه كانت قد انمحيت تمامًا من ذهنى .. التفتت من جديد إلى أمى لأعترض .. فلم تكن هناك ..لمحتها تجلس على أريكة وثيرة بالحديقة أمام البناية ..تراقب البلدوزر بينما يقوم بعمله ..
أمرنا لله إذن .. فليكن إذن .. هى حرة على أى حال ..!!
 دلفت إلى القاعة .. و ... لم أكن أدرى أننى على وشك التعرض لأكثر المواقف إحراجًا فى حياتى ..
                                  ******
"المكان pretty crowded .. هه ؟؟"
"يا ريت صوت الجَمع الخفير ده يقدر يغطى على صوتك ..دى الحاجة الوحيدة اللى بافكر فيها !!"
"ها ..ها .. صوتى هايوصللك فى أى مكان .انتى عارفة كده كويس !! "

 


 

هناك تعليق واحد:

  1. (صوتى هايوصللك فى أى مكان)
    هو إيه كان اسم الممثل اللي بيقول بالإعلان بتاع موبينيل : ((اضرب كمان و كمان , هطلعلك في كل مكاااان !؟ ))
    http://bit.ly/14dhWdr
    -----------------------
    :q

    ردحذف